ما هو مستقر لدى الناس ان العاملين في المهن الطبية شريحة من المجتمع نالت حظاً كبيراً من الثقافة ومعرفة سبل التعامل الحسن مع الناس، فوق ما لديهم من العلم بالطب الذي يصقل شخصياتهم، والذي افنوا فيه سنين كثيرة من اعمارهم، بما ينعكس روعة وحسناً على تعاملهم وتصرفاتهم، وادراكهم للأمور وتقويمها وفق النظر الصحيح.وقد نال العاملون في المهن الطبية تلكم المكانة المرموقة في المجتمعات بالنظر الى شرف المهنة التي يمتهنونها، فالطب مهنة شريفة كريمة نبيلة، روي عن الامام الشافعي رحمه الله قوله: "لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا ان اهل الكتاب غلبونا عليه".ولقد تعارف الاطباء في اصقاع الدنيا على اخلاقيات تضبط عملهم وتحافظ على سموه وتميزه، ومن جملة ما ينبغي ان يراعى في ذلك حفاظهم على اخلاقيات المجتمع في تصوراته واعرافه، وحيث ان الاعلانات التجارية لها اثرها البالغ في تكوين الثقافة والتصورات فقد كان من المتحتم على العاملين في المهن الطبية ان يراعوا اخلاق مهنهم الطبية لدى اعلانهم عن انفسهم ودعوة الناس لارتياد عياداتهم.وفي ظني ان معظم الاطباء يحيطون بما سن من الانظمة الدولية حول الاعلان عن اشخاصهم وخدماتهم في وسائل الاعلام المختلفة، ولكن قد وجد اليوم الكثير مما يخالف هذا المبدأ، وخاصة في "البلدان النامية"، بل ربما استغرب كثير من الاطباء الفضلاء ما يعلن عنه زملاؤهم من خدمات طبية فيها الكثير من المبالغة وعدم الواقعية، ولا ابالغ اذا ما قلت: ان فيها "احتيالاً مغلفاً"، وفيها ايضاً ما يسيء لزملائهم من الاطباء والذين ربما فاقوهم كفاءة وخبرة!وقد استوقفني اكثر مرة عدد من الاعلانات الطبية الفجة، وذلك بسبب خلعها لرداء الحياء ولصفاقة عباراتها، مع ما انطوت عليه من محاولة التأثير النفسي على المرضى وعموم الناس بمؤثرات معينة يعلم الاطباء انها ولابد ستحرك السطح الهادىء في المجتمع لتوجد امواجاً هادرة من خلال عبارات معينة مما يتصل بالميول الجنسية والطبائع الغريزية.وبين يدي نماذج لعدد من الاعلانات التجارية لاطباء وطبيبات وعيادات طبية من شاكلة ذلك النوع الموبوء، ولولا الحياء لأوردت عباراتها، ولكني سأشير الى مضمونها لتوضيح ما تنطوي عليه من البذاءة، فمن امثلة ذلك: إعلان بعض العيادات الطبية عن خدماتها في مجالات التخصيب والتلقيح، وكذلك اعلان عيادات التجميل عن معالجة وتجميل مواطن معينة في البدن، بما في ذلك العورة المغلظة لدى الجنسين!! او الإعلان عن ا لقيام ببعض الجراحات التجميلية التحسينية، ثم توضيح مردود ذلك وشرحه بإسهاب مما لا يحتاجه الأسوياء من الناس، وانما هو نوع من استثارة الغريزة وتأجيجها. إلى آخر قائمة قد يطول حصرها. وهذه الإعلانات يطلع عليها شرائح المجتمع: الشباب الفتيان العزاب، والفتيات العذارى والأيامى، فتلقي بظلالها وهواجسها في نفوسهم.وجملة القول: ان من المتعين على من يحترم نفسه ويقدر مركزه من الاطباء والطبيبات والعيادات الطبية، من المتعين عليهم جميعاً ان يراعوا أخلاقيات الإعلان الطبي حتى يحافظوا على ما عرفه الناس عنهم من السمو الأخلاقي والتميز الثقافي، ولكيلا يدرجوا ضمن مواطن الانحدار الأخلاقي الذي عم عالم اليوم بغلالاته السوداء وارديته الشوهاء في كثير من المجالات، ومتى سقط الانسان في هذه الوهاد، كان ذلك ايذاناً بعدم تحرزه مما لا يليق به مما فيه مجانبة الفضائل والولوغ في رذائل الاقوال والافعال، وصدق سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "اذا لم تستح فاصنع ما شئت".وفق الله الجميع لما فيه الخير، وصلى الله على نبينا محمد.